كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



على المعتذر منه أدركته النفس صافية من العتب وإذا تأخر العذر استثقلت النفس المعتذر منه فتأثرت بقبحه ثم يأتي العذر رافعا وعلى الأول يأتي دافعا.
الثاني: تكلموا في تأويل قولها: (إن الله لا يستحي من الحق) ولعل قائلا يقول: إنما يحتاج إلى تأويل الحياء إذا كان الكلام مثبتا كما جاء: «إن الله حيي كريم» وأما في النفي: فالمستحيلات على الله تنفى ولا يشترط في النفي أن يكون المنفي ممكنا.
وجوابه ألم يرد النفي على الاستحياء مطلقا بل ورد على الاستحياء من الحق فبطريق المفهوم: يقتضي أن يستحيي من غير الحق فيعود بطريق المفهوم إلى جانب الإثبات.
الثالث: قيل في معناه لا يأمر بالحياء فيه ولا يبيحه أولا يمتنع ن ذكره وأصل الحياء الامتناع أو ما يقاربه من معنى الانقباض وقيل: معناه أن سنة الله وشرعه أن لا يستحي من الحق.
وأقول: أما تأويله على أن لا يمتنع من ذكره فقريب لأن المستحيي ممتنع من فعل ما يستحيي منه فالامتناع من لوازم الحياء فيطلق الحياء على الامتناع إطلاقا لاسم الملزوم على اللازم وأما قولهم إن الله لا يأمر ولا يبيحه فيمكن في توجيهه أن يقال: يصح التعبير بالحياء عن الأمر بالحياء لأن الأمر بالحياء متعلق بالحياء فيصح إطلاق الحياء على الأمر به على سبيل إطلاق المتعلق على المتعلق به وإذا صح إطلاق الحياء على الأمر بالحياء فيصح إطلاق عدم الحياء من الشيء على عدم الأمر به.
وهذه الوجوه من التأويلات تذكر لبيان ما يحتمله اللفظ من المعاني ليخرج ظاهره عن النصوصية لا على أنه يجزم بإرادة متعين منها إلا أن يقوم على ذلك دليل.
وأما قولهم معناه إن سنة الله وشرعه أن الله لا يستحيي من الحق فليس فيه تحرير بالغ فإنه إما أن يسند فعل الاستحياء إلى الله تعالى أو لا ويجعله فعلا لما لم يسم فاعله فإن أسند إلى الله تعالى فالسؤال باق بحاله وغاية ما في الباب: أنه زاد قوله سنة الله وشرعه وهذا لا يخلص من السؤال وإن بنوا الفعل لما لم يسم فاعله فكيف يفسر فعلا بني للفاعل والمعنيان متباينان والإشكال إنما ورد على بنائه للفاعل؟.
الوجه الرابع: الأقرب أن يجعل في الكلام حذف تقديره: إن الله لا يمتنع من ذكر الحق والحق هاهنا خلاف الباطل ويكون المقصود من الكلام: أن يقتدي بفعل الله تعالى في ذلك وبذكر هذا الحق الذي دعت إليه الحاجة إليه من السؤال عن احتلام المرأة.
الوجه الخامس: الاحتلام في الوضع: افتعال من الحلم- بضم الحاء وسكون اللام- وهو ما يراه النائم في نومه يقال منه حلم- بفتح اللام- واحتلم واحتلمت به واحتلمته وأما في الاستعمال والعرف العام: فإنه قد يخص هذا الوضع اللغوي ببعض ما يراه النائم وهو ما يصحبه إنزال الماء فلو رأى غير ذلك لصح أن يقال له احتلم وضعا ولم يصح عرفا.
الوجه السادس: قولها: (هي) تأكيد وتحقيق ولو أسقطت من الكلام لتم أصل المعنى.
السابع: الحديث دليل على وجوب الغسل بإنزال المرأة الماء ويكون الدليل على وجوبه على الرجل قوله: «إنما الماء من الماء» ويحتمل أن تكون أم سليم لم تسمع قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الماء من الماء» وسألت عن حال المرأة لمسيس حاجتها إلى ذلك ويحتمل أن تكون سمعته ولكنها سألت عن حال المرأة لقيام مانع فيها يوهم خروجها عن ذلك العموم وهي ندرة نزول الماء منها.
الثامن: فيه دليل على أن إنزال الماء في حالة النوم موجب للغسل كإنزاله في حالة اليقظة.
التاسع: قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأت الماء» قد يرد به على من يزعم أن ماء المرأة لا يبرز وإنما يعرف إنزالها بشهوتها بقوله: «إذا رأت الماء».
العاشر: قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأت الماء» يحتمل أن يكون مراعاة للوضع اللغوي في قولها احتلمت فإنا قد بينا أن الاحتلام رؤية المنام كيف كان وضعا فلما سألت: هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت؟ وكانت لفظة احتلمت عامة: خصص الحكم بما إذا رأت الماء أما لو حملنا لفظة احتلمت على المعنى العرفي: كان قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأت الماء» كالتأكيد والتحقيق لما سبق من دلالة اللفظ الأول عليه ويحتمل أن يكون الإنزال الذي يحصل به الاحتلام عرفا على قسمين: تارة يوجد معه البروز إلى الظاهر وتارة لا فيكون قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأت الماء» مخصصا للحكم بحالة البروز إلى الظاهر ويكون فائدة زائدة ليست لمجرد التأكيد إلا أن ظاهر كلام من أشرنا إليه من الفقهاء: يقتضي وجوب الغسل بالإنزال إذا عرفته بالشهوة ولا يوقفه على البروز إلى الظاهر فإن صح ذلك فتكون الرؤية بمعنى العلم هنا أي إذا علمت نزول الماء والله أعلم.
وأم سلمة المذكورة في الحديث زوج النبي صلى الله عليه وسلم اسمها هند بنت أمية المعروف بزاد الركب وأم سليم بنت ملحان- بكسر الميم وسكون اللام وحاء مهملة- يقال لها: الغميصاء والرميصاء أيضا اسمها سهلة وقيل رميلة أو رملة وقيل: رميثة وقيل: مليكة.
7- عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه).
وفي لفظ لمسلم: «لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه».
اختلف العلماء في طهارة المني ونجاسته فقال الشافعي وأحمد بطهارته وقال مالك وأبو حنيفة بنجاسته.
والذين قالوا بنجاسته: اختلفوا في كيفية إزالته فقال مالك: يغسل رطبه ويابسه وقال أبو حنيفة يغسل رطبه ويفرك يابسه أما مالك: فعمل بالقياس في الحكمين أعني نجاسته وإزالته بالماء.
أما نجاسته: فوجه القياس فيه من وجوه أحدها: أن الفضلات المستحيلة إلى الاستقذار في مقر تجتمع فيه: نجسة والمني منها فليكن نجسا وثانيها: أن الأحداث الموجبة للطهارة نجسة والمني منها أي من الأحداث الموجبة للطهارة وثالثها: أنه يجري في مجرى البول فينجس.
وأما في كيفية إزالته: فلأن النجاسة لا تزال إلا بالماء إلا ما عفي عنه من آثار بعضها والفرد ملحق بالأعم الأغلب.
وأما أبو حنيفة: فإنه اتبع الحديث في فرك اليابس والقياس في غسل الرطب ولم ير الاكتفاء بالفرك دليلا على الطهارة وشبهه بعض أصحابه بما جاء في الحديث من دلك النعل من الأذى وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا وطئ أحدكم الأذى بخفه أو بنعله فطهورهما التراب» رواه الطحاوي من حديث أبي هريرة فإن الاكتفاء بالدلك فيه لا يدل على طهارة الأذى.
وأما الشافعي: فاتبع الحديث في فرك اليابس ورآه دليلا على الطهارة فإنه لو كان نجسا لما اكتفى فيه إلا بالغسل قياسا على سائر النجاسات فلو اكتفى بالفرك- مع كونه نجسا- لزم خلاف القياس والأصل: عدم ذلك.
وهذا الحديث يخالف ظاهره ما ذهب إليه مالك وقد اعتذر عنه بأن حمل على الفرك بالماء وفيه بعد لأنه ثبت في بعض الروايات في هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفري» وهذا تصريح بيبسه وأيضا في.
رواية يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان يابسا وأغسله أو أمسحه إذا كان رطبا) شك الراوي وهذا التقابل بين الفرك والغسل: يقتضي اختلافهما.
والذي قرب التأويل المذكور- عند من قال به- ما في بعض الروايات عن عائشة: أنها قالت لضيفها الذي غسل الثوب إنما يجزيك- إن رأيته- أن تغسل مكانه وإن لم تره نضحت حوله فلقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحصرت الإجزاء في الغسل لما رآه وحكمت بالنضح لما لم يره وهذا حكم النجاسات.
فلو كان هذا الفرك المذكور من غير ماء: ناقض آخر الحديث أوله الذي يقتضي حصر الإجزاء في الغسل ويقتضي إجراء حكم سائر النجاسات عليه في النضح إلا أن دلالة قولها لأحكه يابسا بظفري أصرح وأنص على عدم الماء مما ذكر من القرائن من كونه مفروكا بالماء.
والحديث واحد اختلفت طرقه وأعني بالقرائن: النضح لما لم يره وقولها: إنما كان يجزيك.
ومن الناس من سلك طريقة أخرى في الأحاديث التي اقتصر فيها على ذكر الفرك قال: هذا لا يدل إلا على الفرك من الثوب وليس فيه دلالة على أنه الثوب الذي يصلي فيه فيحمل على ثوب النوم ويحمل الحديث الآخر الذي ذكره المصنف- وهو قولها: (فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه)- على ثوب الصلاة.
ولا يقال: إذا حملتم الفرك إلى غير ثوب الصلاة فأي فائدة في ذكر ذلك؟ لأنا نقول: فائدته بيان جواز لبس الثوب النجس في غير حالة الصلاة.
وهذه الطريقة قد تتمشى لو لم تأت روايات صحيحة بقولها: (ثم يصلي فيه) وفي بعضها: (فيصلي فيه) وأخذ بعضهم من كون الفاء للتعقيب: أنه يعقب الصلاة بالفرك ويقتضي ذلك عدم الغسل قبل الدخول في الصلاة إلا أنه قد ورد بالواو وبثم أيضا في هذا الحديث واحدا فالألفاظ مختلفة والمقول منها واحد فتقف الدلالة بالفاء إلا لمرجح لها وإن كانت الرواية بالفاء حديثا مفردا فيتجه ما قاله.
واعلم أن احتمال غسله بعد الفرك واقع لكن الأصل عدمه فيتعارض النظر بين اتباع هذا الأصل وبين اتباع القياس ومخالفة هذا الأصل فما ترجح منهما عمل به لاسيما إن انضمت قرائن في لفظ الحديث تنفي هذا الاحتمال فإذا ذاك يتقوى العمل به وينظر إلى الراجح بعد تلك القرائن أو من القياس.
وقد استعمل في هذا الحديث لفظ الجنابة بإزاء المني وقد ذكرنا أنه يستعمل بإزاء المنع والحكم الشرعي المرتب على خروج الخارج والله أعلم.
8- عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل» وفي لفظ: «وإن لم ينزل».
الشعب جمع شعبة وهي الطائفة من الشيء والقطعة منه واختلفوا في المراد بالشعب الأربع فقيل: يداها ورجلاها أو رجلاها وفخذاها أو فخذاها وإسكتاها أو نواحي الفرج الأربع وفسر الشعب بالنواحي وكأنه تحويم على طلب الحقيقة الموجبة للغسل والأقرب عندي: أن يكون المراد: اليدين والرجلين أو الرجلين والفخذين ويكون الجماع مكنيا عنه بذلك ويكتفي بما ذكر عن التصريح وإنما رجحنا هذا: لأنه أقرب إلى الحقيقة إذ هو حقيقة في الجلوس بينهما وأما إذا حمل على نواحي الفرج: فلا جلوس بينها حقيقة وقد يكتفي بالكناية عن التصريح لا يسما في أمثال هذه الأماكن التي يستحيي من التصريح بذكرها.
وأيضا فقد نقل عن بعضهم أنه قال الجهد من أسماء النكاح ذكر ذلك عن الخطابي وعلى هذا فلا يحتاج إلى أن يجعل قوله: «جلس بين شعبها الأربع» كناية عن الجماع فإنه صرح به بعد ذلك.
وقوله في الحديث: «ثم جهدها» بفتح الجيم والهاء: أي بلغ مشقتها يقال منه: جهده وأجهده أي بلغ مشقته وهذا أيضا لا يراد حقيقته وإنما المقصود منه: وجوب الغسل بالجماع وإن لم ينزل وهذه كلها كنايات يكتفى بفهم المعنى عن التصريح.
وقوله: «بين شعبها الأربع» كناية عن المرأة وإن لم يجر لها ذكر اكتفاء بفهم المعنى من السياق كما في قوله عز وجل: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [صّ: 32] والحكم عند جمهور الأمة على مقتضى هذا الحديث في وجوب الغسل بالتقاء الختانين من غير إنزال وخالف في ذلك داود وبعض أصحابه الظاهرية وخالفه بعض الظاهرية ووافق الجماعة ومستند الظاهرية: قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الماء من الماء» وقد جاء في الحديث: «إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نسخ» ذكره الترمذي.
9- عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم: أنه. كان هو وأبوه عند جابر بن عبد الله وعنده قوم فسألوه عن الغسل؟ فقال: صاع يكفيك, فقال رجل: ما يكفيني, فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى منك شعرا وخيرا منك- يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم- ثم أمنا في ثوب.
وفي لفظ: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرغ الماء على رأسه ثلاثا».
قال رضي الله عنه: الرجل الذي قال ما يكفيني هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أبوه: محمد بن الحنفية.
الواجب في الغسل: ما يسمى غسلا وذلك بإفاضة الماء على العضو وسيلانه عليه فمتى حصل ذلك تأدى الواجب وذلك يختلف باختلاف الناس فلا يقدر الماء الذي يغتسل به أويتوضأ به وبقدر معلوم قال الشافعي: وقد يرفق بالقليل فيكفي ويخرق بالكثير فلا يكفي واستحب أن لا ينقص في الغسل من صاع ولا في الوضوء من مد.
وهذا الحديث: أحد ما يستدل به على الاغتسال بالصاع وليس ذلك على سبيل التحديد وقد دلت الأحاديث على مقادير مختلفة وذلك- والله أعلم- لاختلاف الأوقات أو الحالات وهو دليل على ما قلناه ومن عدم التحديد.
والصاع: أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم والمد رطل وثلث بالبغدادي وأبو حنيفة يخالف في هذا المقدار ولما جاء صاحبه أبو يوسف إلى المدينة وتناظر مع مالك في هذه المسألة استدل عليه مالك بصيعان أولاد المهاجرين والأنصار الذين أخذوها عن آبائهم فرجع أبو يوسف إلى قول مالك.